قمم مكة المكرمة تهدم دعاية يوم القدس الإيرانية
احمد القريشي
سيذكر التاريخ أن اجتماعات قمم مكة المكرمة الثلاثة دمرت جهد أربعين عاما من الدعاية الثورية الإيرانية حول القدس الشريف.
مؤتمرات القمة التي عقدت في أقدس مدن العالم الإسلامي غطت على أخبار يوم القدس السنوي الإيراني، المناسبة التي تقوم فيها الجماعات المسلحة المدعومة إيرانيا في العالم بتقديم الولاء للثورة الإيرانية. وتزامن يوم القدس هذا العام، في يوم الجمعة الأخير من رمضان، مع مؤتمرات قمة مكة الثلاثة لدول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي؛ وهي أكبر ثلاثة منظمات إقليمية في المنطقة.
وإذا كانت القمم الثلاثة وجهت ضربة موجعة لأهم يوم دعائي في روزنامة الحرس الثوري ، فإن العقوبات الدولية فاقمت المشكلة، إذ منعت الحكومة الإيرانية من تمويل مسيرات يوم القدس الدعائية لهذا العام، من أفغانستان إلى لبنان، مرورا بالعراق وسوريا واليمن. وساهم رجل الشارع الإيراني في زيادة هموم طهران عبر تجاهل مسيرات هذا العام، التي تضاءلت إلى درجة أن وكلاء المرشد الأعلى في لبنان والعراق واليمن نظموا مسيرات أكبر من نظيراتها الباهتة التي بالكاد استطاع الحرس حشدها داخل إيران.
لم تطغى قمة مكة على يوم القدس فحسب، ولكنها فضحت أيضا بشكل غير مباشر إدعاءات إيران بأنها قدمت للقدس ولفلسطين دعما وخدمة أكبر من الدول العربية والإسلامية. فقد سرد بيان قمة المؤتمر الإسلامي العمل الذي تقوم به الدول الأعضاء من أجل القدس والشعب الفلسطيني ومن أجل الدولة الفلسطينية المستقلة، مشيدا بالجهود التي تبذلها والمملكة العربية السعودية والمغرب والإمارات العربية المتحدة ومصر والكويت والأردن وإندونيسيا وتركيا. وتعتبر السعودية، مع الإمارات والكويت، أكبر داعم مالي للشعب الفلسطيني في المنطقة منذ عقود بلا منازع. وفاق هذا الجهد بسهولة أي شيء قامت به إيران بقيادة الثوريين الخمينيين من أجل فلسطين منذ عام 1979.
إعلان يوم القدس جاء في نفس السنة التي استولى فيها رجال الدين في إيران على السلطة. وفي العام اللاحق، أي في 1980، تم إنشاء فيلق القدس. هذا التركيزعلى القدس وفلسطين نال استحسان الكثيرين في البدء. ولكن بدلا من توحيد الجهود لهذا الهدف النبيل، برز ‘يوم القدس’ و ‘فيلق القدس’ والدعاية الثورية الإيرانية حول فلسطين كأدوات لتصديرالأيديولوجية اللاهوتية الخمينية المتطرفة، القائمة على إسقاط الحكومات ونشر الصراع الطائفي.
اليوم، ‘يوم القدس’ لا علاقة له بقضية فلسطين، بل تحول اجتماعا سنويا للميليشيات المسلحة والجماعات المتطرفة في أنحاء الشرق الأوسط والعالم لإظهار الولاء للحرس الثوري الإسلامي والمرشد الأعلى الإيراني. أما ‘فيلق القدس’ الذي تأسس في 1980 لتحريرالقدس فإنه ينشغل اليوم في قائمة طويلة ومذهلة من الحروب والتدخلات في دول المنطقة، في لبنان، سوريا، العراق، البحرين، الكويت، أفغانستان، طاجيكستان، باكستان، نيجيريا، ألبانيا، واليمن. باختصار، يتدخل ‘فيلق القدس’ في كل مكان عدا القدس.
إيران تعارض منظمة المؤتمر
الإسلامي في خمسة مواقف رئيسية
أظهرت قمة منظمة المؤتمر الإسلامي أن حكام إيران الخمينيين يعارضون الإجماع الإسلامي في خمسة قضايا رئيسية توحد الدول الستة والخمسين الأعضاء في المنظمة.
أكدت منظمة المؤتمر الإسلامي دعمها لأذربيجان في ناغورنو كاراباخ. بينما إيران تدعم أرمينيا.
أكدت منظمة المؤتمر الإسلامي أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني. إيران تقوض منظمة التحرير وتشجع الاقتتال الفلسطيني من خلال دعم الجماعات المسلحة مثل حماس والجهاد الإسلامي.
طلبت منظمة المؤتمر الإسلامي من جميع الأعضاء دعم الدولة القبرصية التركية. إيران تتحفظ.
ألقت منظمة المؤتمر الإسلامي بثقلها وراء “إطلاق محادثات سلام مع طالبان” من أجل “عملية سلام شاملة”. طهران تتحفظ بسبب تهميش وكلائها الأفغان.
تدعم منظمة المؤتمر الإسلامي “ الشرعية الدستورية في اليمن” التي تمثلها الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. إيران تدعم وتسلح الميليشيات المناهضة للحكومة.
خصت قمة مكة الإسلامية “شعب وحكومة باكستان” بالإشادة “على حسن الضيافة وكرم الوفادة” باستضافة اللاجئين الأفغان لمدة أربعين عاما، وخصصت العام 2019 للذكرى الأربعين لوجود اللاجئين الأفغان في باكستان. وتجاهلت المنظمة إيران التي تتهمها الحكومة الأفغانية بسوء معاملة اللاجئين الأفغان وتجنيدهم قسرا للقتال في العراق وسوريا.
سجل إيران في فلسطين
تتهم إيران الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ببيع فلسطين. غير أن سجل طهران منذ 1979 يتمثل في الدعاية الضخمة لدورها المزعوم في فلسطين من دون أي دلائل على قيامها بأي خطوات عملية.
المقارنة العملية تظهر تفوق الدول العربية والإسلامية على نظام الملالي من كل النواحي في هذا الصدد، رغم تاريخ الإخفاقات السياسية والعسكرية. فقد سرد البيان الختامي لمنظمة المؤتمر الإسلامي قائمة مثيرة للإعجاب من العمل المنجز لمساعدة الشعب الفلسطيني، والذي يفوق أي انجاز تزعم إيران تحقيقه عبر دعايات” يوم القدس” و “قوة القدس” منذ أربعة عقود.
على سبيل المثال، استثمرت إندونيسيا والكويت عضويتيهما في مجلس الأمن الدولي لتعزيز المصالح الفلسطينية. وعمل الملك محمد السادس عاهل المغرب ورئيس لجنة القدس بصمت لحماية “المقدسات الإسلامية في القدس الشريف”. واستخدم المغرب علاقاته الديبلوماسية مع اسرائيل والدول الأخرى لمتابعة المسائل المتعلقة بالأماكن المقدسة الإسلامية، كما نفذ مشاريع التنمية في القدس الشرقية من خلال وكالة بيت مال القدس التابعة للجنة القدس. ووقع الملك محمد السادس “نداء القدس” في مارس 2019 مع قداسة البابا فرنسس لجعل القدس مدينة السلام ورمزا للتعايش بين أتباع الديانات السماوية الثلاثة. وأيضا دور الملك عبد الله الثاني بن الحسين عاهل الأردن باعتباره “الوصي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف”، وكون الأردن الجهة القانونية الحصرية والوحيدة المسؤولة عن إدارة أوقاف القدس وشؤون الحرم المقدسي. ثم هنالك الدور التاريخي للسعودية لدعم مدينة القدس وأهلها ومقدساتها، فقد دعمت الرياض صندوقي القدس والأقصى بمبلغ 320 مليون دولار لخدمة الأوقاف الإسلامية في القدس، إضافة لدفع 70 مليون دولار كموازنة إضافية في الصندوقين. وهنالك جهود مصر الدؤوبة في دعم الشعب الفلسطيني وتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية. كما نظمت تركيا قمتين طارئتين من أجل القدس، وقامت مع مصر والدول العربية والإسلامية بطرح مسودتي قرارحول القدس في الجمعية العمومية ومجلس الأمن التابعين للأمم المتحدة.
وبالإضافة إلى خدمة الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس ، نجد أن معظم أعمال التطويرالرئيسية في غزة مولتها ثلاثة دول أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي هي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت. والدول الثلاثة من ضمن عشرين أكبر داعم ماليا للشعب الفلسطيني في العالم.
ولا تجد إيران والحرس الثوري و”يوم القدس’ و’فيلق القدس’ في أي من هذه الجهود العربية والإسلامية، وخصوصا دورالسعودية التي يتهمها الخمينيون بالتخلي عن فلسطين بينما دور الملالي في فلسطين لا يتعدى الدعاية الكلامية ومحاولات دفع الفلسطينيين نحو حرب أهلية وتخريب فرص الفلسطينيين في تحقيق الدولة المستقلة. وكلها أمور تصب في صالح الصقور في اسرائيل المعارضين للحقوق الفلسطينية. أمر آخر ملفت في أوراق قمم مكة الثلاثة دور السعودية والإمارات والكويت في صرف أموال ضخمة لرعاية اللاجئين في اليمن وغزة ولبنان وسوريا بملايين الدولارات، في تناقض حاد مع دور إيران الدولة النفطية الغنية التي تركز على تغذية الحروب في تلك المناطق والدول العربية، وبدلا من جمع المسلمين تفرقهم في جماعات مسلحة وتدربهم على إدامة الصراع والدم والحروب.
العزلة الدولية والإقليمية الإيرانية اليوم أقوى مما كانت عليه في أي وقت منذ عام 1979. وقمم مكة الثلاثة تمثل هزيمة السرد الاستغلالي لإيران حول القدس وفلسطين.